فيلم "حياة الماعز"- استغلال قضية الكفالة وتشويه صورة السعوديّة.
المؤلف: عبدالله بن بخيت11.27.2025

لقد سقطنا في الشرك الذي نصبه أولئك الذين استغلوا فيلم "حياة الماعز" لإثارة قضية نظام الكفالة في المملكة. في الواقع، الفيلم لا يمت بصلة لهذا النظام إطلاقًا؛ بل هو يسرد قصة اختطاف مأساوية لرجل هندي قدم إلى المملكة بحثًا عن لقمة العيش. اللافت أن الخاطف لم يكن كفيلًا للرجل الهندي، فلماذا ننجر وراء محاولات الإساءة إلى المملكة وقيادتها من خلال مناقشة قضية الكفالة تحت ستار هذا الفيلم؟
نحن إزاء فيلم هندي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بكل ما نعرفه عن الأفلام الهندية. لطالما استعملنا عبارة "فيلم هندي" لوصف المواقف التي تتسم باللامعقولية والمبالغة، تلك المشاهد التي تتجاوز الواقع وتلامس الخيال الجامح. "فيلم هندي" تعني سردًا للأحداث الخيالية البعيدة عن المنطق. (رجل يفتح باب الطائرة ويهوي للانتحار، ولكن القدرة الخارقة تجعله يسقط على شجرة تجلس تحتها حبيبته صدفة).
الصراع الميلودرامي في الفيلم ينطلق منذ اللحظة التي يصل فيها شابان هنديان إلى أحد المطارات الخليجية. يسارع المخرج في رسم ملامح متلاحقة لخلفية توحي بمطار سعودي: سيدات سعوديات يرتدين الحجاب، صوت الأذان يصدح في الأرجاء، رجال يرتدون الزي السعودي التقليدي. ثم، دون أي تباطؤ، يبدأ المخرج في تصوير الرجل الذي سيقوم باختطافهما ويتولاهما بوحشية وفظاظة. معاملة هذا الرجل تنكشف منذ اللحظة الأولى التي يلتقي بهما داخل المطار، مما يعطينا صورة واضحة عن البنية الدرامية للعمل. فالرجل لم يستدرجهما بالتودد أو اللين أو الحيلة أو حتى التهديد؛ بل منذ الوهلة الأولى تعامل معهما بوقاحة وجفاء، وأمرَهما بركوب صندوق سيارة متهالكة (شاص). الأمر الغريب، وغير المستغرب في الأفلام الهندية، أنهما انصاعا له دون أدنى مقاومة، كالخراف المستسلمة. لحظة الأسر هذه تؤكد لنا أننا نشاهد فيلمًا هنديًا بكل المقاييس، فالقسوة في الفيلم الهندي تتجاوز الحدود الإنسانية، والضعف لا يقل عن ضعف الخرفان. هذا الفيلم، بطريقة أو بأخرى، يُدين الهنود أنفسهم؛ إذ يقدم الإنسان الهندي بصورة الإنسان الذليل الذي لا يمتلك أدنى قدر من التدبر والمقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كتب مؤلف الرواية عملًا روائيًا أم مجرد مذكرات شخصية؟ وللأمانة، لم يسبق لي قراءة روايات هندية لأعرف ما إذا كانت الرواية الهندية تسير على نفس نهج السينما الهندية في صناعة المعجزات والمآسي التي تقطع نياط قلب المشاهد الهندي، وما إذا كان القارئ الهندي، كشقيقه متفرج السينما، ينتظر ما يقطع نياط قلبه أيضًا.
عند وصولهما إلى البر بعد رحلة مليئة بالتشويق والإثارة، تم توزيعهما كالخراف، دون أن يبديا أي مقاومة رغم وضوح المعاملة اللاإنسانية. عندما نام نجيب في الخيمة، وهي مكان متواضع، غضب الكفيل وأخرجه لينام في العراء. لحظة استراحة العامل الهندي في الخيمة كانت فرصة سانحة للمخرج لتأصيل المزيد من المأساة الهندية. هنا نعرف أن الضحية قد أنفق كل مدخراته لشراء تأشيرة عمل في الخليج. ولزيادة جرعة المأساة، نشاهد عبر تقنية الـ(فلاش باك) أن نجيب كان يعيش في بلاده حياة رومانسية مليئة بالأحلام الوردية مع فتاة رقيقة تبادله نفس المشاعر.
بعد أن تيقن نجيب من مصيره المأساوي، أتيحت له فرصة للهروب، لكنه افتقر إلى الشجاعة الفطرية. تقدم نجيب من سائق صهريج الماء وطلب منه أن يصطحبه إلى المدينة، فسمع الكفيل الحوار ولم يفهمه، فهرع إليهما محاولًا معرفة ما دار بينهما. أنكرا أن يكون الحوار يخصه، لكن الكفيل لم يقتنع، فأحضر السوط وانهال به على نجيب ضربًا. حاول نجيب تفادي الضربات، فما كان من الكفيل إلا أن أسرع إلى الخيمة وأحضر بندقية وصوبها نحو نجيب، فقام نجيب بإمساك البندقية وإبعادها عن وجهه. كان بإمكانه أن ينتزع البندقية منه ويقوده بسيارته إلى المدينة لتنتهي مأساته، لكن نجيب استسلم كالخروف.
في نهاية المطاف، أي شخصية درامية تحمل في طياتها تناقضات، كما هو الحال في الحياة التي نعيشها. حتى الشخصية الشريرة تحتفظ في داخلها ببقايا من الإنسانية، والشخصية الخيرة قد تنطوي على بعض الخصال الدنيئة. حتى الشخصية السيكوباثية التي تحركها المصالح تخلق لنفسها ضميرًا زائفًا لتبرير أفعالها أمام ضحاياها. هذا الخاطف لم يكن مجرد مجرم، بل كان شيطانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالشيطان الذي نعرفه يستخدم الخداع والتملق والإغراء ليوقع بضحاياه في شباكه.
كل شخصية درامية لها خلفية وماضٍ شكّلها وأوصلها إلى ما نراه في النص. نرى المخرج يعرض (فلاش باك) عن شخصية نجيب الضحية، لكن بالمقابل، هناك ماضٍ آخر شكّل شخصية الكفيل وحوّله إلى شر مطلق. المخرج لم يزودنا بأي جانب إنساني أو (فلاش باك) عن طفولة هذا الكفيل أو أسرته أو أي شيء يكشف لنا وجهه الآخر. شخصية منبتّة الجذور كهذه لا يمكن أن توجد أبدًا؛ فحتى الشيطان له تاريخ نعرف من خلاله كيف تحول إلى شيطان.
بعد كل هذا، الفيلم طويل وممل ويفتقر إلى الحوار الدرامي العميق الذي يتولد عند التقاء الشر المطلق بالضعف المتهالك في صحراء قاحلة. في مثل هذه البيئات، يتدخل الفن ليأخذنا في رحلة استكشافية في أعماق النفس الإنسانية. ولكن مع هذا الفيلم، تمضي مع المخرج حوالي ثلاث ساعات تشاهد نفس المشهد يتكرر بصور مختلفة ومرهقة. السؤال الذي تبادر إلى ذهني أخيرًا: من موّل هذا الفيلم؟ ومن يقف وراء تمويله؟ أما أولئك الذين أشادوا به، فنحن نعرفهم جميعًا.
نحن إزاء فيلم هندي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بكل ما نعرفه عن الأفلام الهندية. لطالما استعملنا عبارة "فيلم هندي" لوصف المواقف التي تتسم باللامعقولية والمبالغة، تلك المشاهد التي تتجاوز الواقع وتلامس الخيال الجامح. "فيلم هندي" تعني سردًا للأحداث الخيالية البعيدة عن المنطق. (رجل يفتح باب الطائرة ويهوي للانتحار، ولكن القدرة الخارقة تجعله يسقط على شجرة تجلس تحتها حبيبته صدفة).
الصراع الميلودرامي في الفيلم ينطلق منذ اللحظة التي يصل فيها شابان هنديان إلى أحد المطارات الخليجية. يسارع المخرج في رسم ملامح متلاحقة لخلفية توحي بمطار سعودي: سيدات سعوديات يرتدين الحجاب، صوت الأذان يصدح في الأرجاء، رجال يرتدون الزي السعودي التقليدي. ثم، دون أي تباطؤ، يبدأ المخرج في تصوير الرجل الذي سيقوم باختطافهما ويتولاهما بوحشية وفظاظة. معاملة هذا الرجل تنكشف منذ اللحظة الأولى التي يلتقي بهما داخل المطار، مما يعطينا صورة واضحة عن البنية الدرامية للعمل. فالرجل لم يستدرجهما بالتودد أو اللين أو الحيلة أو حتى التهديد؛ بل منذ الوهلة الأولى تعامل معهما بوقاحة وجفاء، وأمرَهما بركوب صندوق سيارة متهالكة (شاص). الأمر الغريب، وغير المستغرب في الأفلام الهندية، أنهما انصاعا له دون أدنى مقاومة، كالخراف المستسلمة. لحظة الأسر هذه تؤكد لنا أننا نشاهد فيلمًا هنديًا بكل المقاييس، فالقسوة في الفيلم الهندي تتجاوز الحدود الإنسانية، والضعف لا يقل عن ضعف الخرفان. هذا الفيلم، بطريقة أو بأخرى، يُدين الهنود أنفسهم؛ إذ يقدم الإنسان الهندي بصورة الإنسان الذليل الذي لا يمتلك أدنى قدر من التدبر والمقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كتب مؤلف الرواية عملًا روائيًا أم مجرد مذكرات شخصية؟ وللأمانة، لم يسبق لي قراءة روايات هندية لأعرف ما إذا كانت الرواية الهندية تسير على نفس نهج السينما الهندية في صناعة المعجزات والمآسي التي تقطع نياط قلب المشاهد الهندي، وما إذا كان القارئ الهندي، كشقيقه متفرج السينما، ينتظر ما يقطع نياط قلبه أيضًا.
عند وصولهما إلى البر بعد رحلة مليئة بالتشويق والإثارة، تم توزيعهما كالخراف، دون أن يبديا أي مقاومة رغم وضوح المعاملة اللاإنسانية. عندما نام نجيب في الخيمة، وهي مكان متواضع، غضب الكفيل وأخرجه لينام في العراء. لحظة استراحة العامل الهندي في الخيمة كانت فرصة سانحة للمخرج لتأصيل المزيد من المأساة الهندية. هنا نعرف أن الضحية قد أنفق كل مدخراته لشراء تأشيرة عمل في الخليج. ولزيادة جرعة المأساة، نشاهد عبر تقنية الـ(فلاش باك) أن نجيب كان يعيش في بلاده حياة رومانسية مليئة بالأحلام الوردية مع فتاة رقيقة تبادله نفس المشاعر.
بعد أن تيقن نجيب من مصيره المأساوي، أتيحت له فرصة للهروب، لكنه افتقر إلى الشجاعة الفطرية. تقدم نجيب من سائق صهريج الماء وطلب منه أن يصطحبه إلى المدينة، فسمع الكفيل الحوار ولم يفهمه، فهرع إليهما محاولًا معرفة ما دار بينهما. أنكرا أن يكون الحوار يخصه، لكن الكفيل لم يقتنع، فأحضر السوط وانهال به على نجيب ضربًا. حاول نجيب تفادي الضربات، فما كان من الكفيل إلا أن أسرع إلى الخيمة وأحضر بندقية وصوبها نحو نجيب، فقام نجيب بإمساك البندقية وإبعادها عن وجهه. كان بإمكانه أن ينتزع البندقية منه ويقوده بسيارته إلى المدينة لتنتهي مأساته، لكن نجيب استسلم كالخروف.
في نهاية المطاف، أي شخصية درامية تحمل في طياتها تناقضات، كما هو الحال في الحياة التي نعيشها. حتى الشخصية الشريرة تحتفظ في داخلها ببقايا من الإنسانية، والشخصية الخيرة قد تنطوي على بعض الخصال الدنيئة. حتى الشخصية السيكوباثية التي تحركها المصالح تخلق لنفسها ضميرًا زائفًا لتبرير أفعالها أمام ضحاياها. هذا الخاطف لم يكن مجرد مجرم، بل كان شيطانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فالشيطان الذي نعرفه يستخدم الخداع والتملق والإغراء ليوقع بضحاياه في شباكه.
كل شخصية درامية لها خلفية وماضٍ شكّلها وأوصلها إلى ما نراه في النص. نرى المخرج يعرض (فلاش باك) عن شخصية نجيب الضحية، لكن بالمقابل، هناك ماضٍ آخر شكّل شخصية الكفيل وحوّله إلى شر مطلق. المخرج لم يزودنا بأي جانب إنساني أو (فلاش باك) عن طفولة هذا الكفيل أو أسرته أو أي شيء يكشف لنا وجهه الآخر. شخصية منبتّة الجذور كهذه لا يمكن أن توجد أبدًا؛ فحتى الشيطان له تاريخ نعرف من خلاله كيف تحول إلى شيطان.
بعد كل هذا، الفيلم طويل وممل ويفتقر إلى الحوار الدرامي العميق الذي يتولد عند التقاء الشر المطلق بالضعف المتهالك في صحراء قاحلة. في مثل هذه البيئات، يتدخل الفن ليأخذنا في رحلة استكشافية في أعماق النفس الإنسانية. ولكن مع هذا الفيلم، تمضي مع المخرج حوالي ثلاث ساعات تشاهد نفس المشهد يتكرر بصور مختلفة ومرهقة. السؤال الذي تبادر إلى ذهني أخيرًا: من موّل هذا الفيلم؟ ومن يقف وراء تمويله؟ أما أولئك الذين أشادوا به، فنحن نعرفهم جميعًا.
